لقاء مع د. ليلى موسى، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية

[مصر، Theosis Across Borders]

مشروع وحدة الدراسات: هو مشروع لوحدة بحثية تُعنى بمناقشة نُخبوية للقضايا المصرية والدولية. تعقد الوحدة لقاءًا يوم الإثنين من كل أسبوع، وتستضيف الوحدة من حين لآخر مُثقفين ومفكرين وممارسين معنيين بالملفات التي تدخل في نطاق القضايا والموضوعات التي يبحثها أعضاء الوحدة، أو في الشؤون والقضايا الجارية محليًا وإقليميًا ودوليًا؛ وذلك من أجل معرفة أكثر دقة بهذه القضايا قد لا يجدها الباحثون في التقارير الصحفية والإعلامية. كما تُتيح هذه اللقاءات للباحثين معرفة كيف يفكر المسؤولون وصُنّاع القرار؛ وتُتيح فرصة لمناقشتهم وتبادل الرأي معهم.

في لقاءها يوم الإثنين الموافق 20 يناير 2025، استضافت وحدة الدراسات الدكتورة ليلى موسى، ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” في مصر، في لقاء نوقشت فيه مستجدات الوضع على الساحة السورية ورؤية مجلس سوريا الديمقراطية للمستقبل. كان من المقرر أن يشارك في اللقاء الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو، إلا أنه اعتذر عن عدم الحضور بسبب ظرف طارئ.

قدمت الدكتورة ليلى موسى عرضًا موجزًا لتجربة مجلس سوريا الديمقراطية المتمركز في شمال شرق سوريا. وأشارت إلى أن جذور فكرة الإدارة الذاتية وخارطة التعامل مع الأزمة السورية التي يتبناها مجلس سوريا الديمقراطي، الذي يضم نحو عشرات الأحزاب السياسية والمؤسسات النسوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مستقلة، تعود إلى ما بعد أحداث قامشلو في عام 2004، التي وقعت على إثر مباراة في كرة القدم بين فريقي الفتوة والجهاد، ذات أبعاد سياسية بحتة. تعرض الكرد للانتهاكات بشكل مُمنهج من قبل سلطات دمشق حينذاك. وهي الأحداث التي شهدت بداية جديدة للحراك الثوري الكردي في عام 2004.

شكلت هذه الأحداث مرحلة مفصلية من تاريخ النضال الكردي لاستخلاص الدروس من انتفاضة قامشلو 2004 التي جاءت ردة فعل تلقائية حيال سياسات النظام السوري العنصرية حيال الكرد، ودفعتهم إلى تنظيم صفوفهم وقراءة المشهد بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية وكيفية التعامل معها. وعلى هذا الأساس، مع اندلاع الحراك الثوري السوري في عام 2011، انتهج الكرد مع باقي مكونات شمال وشرق سوريا الخط الثالث واتخذوا من الحوار نهجًا لمواجهة الأزمة، والعسكرة للحماية والدفاع.

وأشارت إلى أن هذه الأحداث وتداعياتها نبهت الكرد في سوريا إلى ضرورة الاستعداد للحراك السياسي المحتمل في البلاد، وأنهم بدأوا بتنظيم صفوفهم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عبر لجان تم تشكيلها من خلال العمل السري في الفترة التي كان فيها نظام بشار الأسد يحكم قبضته على سوريا عبر أجهزة الأمن. ونتيجة لهذا المجهود، كانت المناطق في شمال شرق سوريا مستعدة للتعامل مع الأحداث في أعقاب الحراك الثوري السوري في مارس 2011، وما أعقبه من تطورات.

وأضافت أن العمل ركز في البداية على اللجان التي تقدم الخدمات وتوفر ما يمكن من احتياجات في بداية الانتفاضة، ولم يتم اللجوء إلى العمل المسلح إلا لصد هجمات الجماعات الإسلاموية المتطرفة المسلحة على مناطق شمال وشرق سوريا، فنشأت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وهذه الوحدات هي نواة قوات سوريا الديمقراطية. وأصبحت هذه القوات جزءًا من التحالف الدولي والعربي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحققت مقاتلات ومقاتلو قوات سوريا الديمقراطية انتصارات على مسلحي الدولة الإسلامية، وألقت القبض على آلاف منهم (يقدر عدد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في سجون قوات سوريا الديمقراطية بنحو مئات الآلاف من المسلحين).

وأشارت الدكتورة ليلى موسى إلى أن النموذج الذي طوره مجلس سوريا الديمقراطية يصلح لبناء سوريا جديدة تتسع لجميع مكونات الشعب السوري في دولة واحدة، مع إدارة لا مركزية للمناطق التي تُدار بطريقة ديمقراطية.

وأوضحت أن الوضع الراهن في سوريا بعد هروب بشار الأسد وسيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق صعب، مشيرة إلى أن نظام الأسد سقط منذ عام 2011، عندما ركز بشار على دمشق والمنطقة المحيطة بها، قبل أن يتمكن من إعادة سيطرة قواته على بعض المناطق بموجب تفاهمات محور الآستانة، مما أدى إلى مواءمات ومقايضات مع تركيا التي احتلت مناطق من شمال سوريا.

وقالت إن انسحاب النظام السوري وتمركزه في مناطق أطلق عليها بشار الأسد السورية المفيدة وترك مناطق شمال وشرق سوريا لمصيرها، كانت فرصة أمام مكونات شمال وشرق سوريا لإدارة مناطقهم وحمايتها أو الخضوع لهيمنة التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، فكان خيار المكونات بكل بد الإدارة والحماية. وبعد أن ابتعدت المنطقة عن سيطرة النظام السوري الذي طالما مارس سياسة التهميش والإقصاء حيال المناطق الشرقية، سمح ذلك بتطور الإدارة الذاتية لهذه المناطق؛ فتطورت الإدارة في محافظات شمال شرق سوريا وتشكل مجلس سوريا الديمقراطية.

بالتزامن؛ تمكنت تركيا من مُصادرة قرار طيف واسع من المعارضة السورية، وارتهان العديد من فصائل جيش الحر لها بشكل مطلق. إلى جانب علاقات تركيا والدعم القوي الذي قدمته التنظيمات الإسلاموية المتطرفة وبشكل خاص تنظيم داعش الإرهابي خدمة لمشروعها التوسعي في سوريا.

وأشارت إلى أن سقوط النظام كان محصلة لترهله وضعف الدعم الإيراني والخسائر التي لحقت بأذرعه وانشغال الروسي بحربه في أوكرانيا، وأيضًا ما جرى في سوريا نتيجة لتفاهمات دولية. وأضافت أنه على الرغم من حرص القوى الدولية والإقليمية على الحفاظ على وحدة سوريا بسبب التداعيات المترتبة على تفكيكها على الاستقرار الإقليمي والدولي، فإن الوضع غير مستقر نظرًا لكثرة التنظيمات ذات الخلفيات الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة والتدخلات الإقليمية والدولية وصراع المشاريع الإقليمية التوسعية التي تحتل فيها الموقع الجيوستراتيجي لسوريا مكانًا استراتيجيًا في قلب هذه المشاريع.

وذكرت أن القيادة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع في وضع صعب إذ تواجه ضغوطًا دولية من شأن الاستجابة لها أن تُصعّب وضع الشرع، خاصة أنه لا يملك السيطرة الكاملة على الجغرافية السورية والفصائل المسلحة، في ظل بلد شبه مُدمر، وانتشار متطرفين من مختلف أصقاع العالم يحلمون بدولة الخلافة، وهو ما يتناقض مع المطالب الدولية بضرورة تشكيل حكومة شاملة تضمن كافة أطياف المجتمع السوري. ولا ننسى طرح هؤلاء المتطرفين بإقامة دولة الخلافة، الذي يتناقض مع خصائص وطبيعة المجتمع السوري وتطلعات السوريين بإقامة دولة مدنية تعددية. إلى جانب مساعي تركيا بفرض وصايتها بشكل مطلق على سوريا، فإن كل هذه الأمور تشكل تحديات كبيرة تواجه الإدارة الجديدة في دمشق والشعب السوري وحتى المجتمع الدولي، وهذا يتطلب عملًا جادًا من جميع الأطراف لحل الأزمة من خلال دعم الشعب في إدارة البلاد بعيدًا عن فرض الوصاية والتدخلات الخارجية.

وأشارت إلى أن قوات سوريا الديمقراطية قادرة على صد العدوان التركي ومرتزقتها من السوريين، مشيرة إلى فشل القوات التركية حتى الآن في السيطرة على سد تشرين. لكنها نبهت إلى السياسة التركية القائمة على نقل سكان من المُجنسين والعرب إلى المناطق الكردية في شمال سوريا وممارسة عمليات تغيير ديمغرافي، عفرين على سبيل المثال، تُعد إحدى النماذج الواضحة لتلك السياسة، إلى جانب مخططاتها لضم مناطق حدودية إلى تركيا من خلال تواجدها العسكري في تلك المناطق وتوطين لاجئين سوريين منحتهم الجنسية التركية. وقد تطرح إجراء استفتاء في هذه المناطق يسمح لها بضم هذه المناطق بزعم أنه تسكنها أغلبية تركية. وهو ما صرح به مسؤولون أتراك عندما تم السيطرة على حلب، حينها صرحوا بأنها الولاية التركية 82.

واختتمت حديثها بتأكيد أن الدعوة لإعداد دستور جديد يمثل جميع مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، ويعتمد اللامركزية في إدارة المناطق، يتحقق من خلالها التوزيع العادل للثروات والسلطات وتحقيق العدالة الاجتماعية. عملية انتقال سياسي يليها تأسيس لجيش سوري وطني من غير إقصاء أي طرف. أما سعي هيئة تحرير الشام للهيمنة والتفرد بالسلطة على سوريا فمن شأنه ربما أن يقود إلى حرب أهلية في ضوء رفض كثير من القوى والمناطق السورية تسليم أسلحتها، فمحافظة السويداء في جنوب سوريا حيث تعيش أغلبية درزية ترفض تسليم أسلحتها قبل الاتفاق على الدستور والمشاركة في إدارة السلطة والموارد في سوريا، وكذلك الحال في محافظة درعا جنوب سوريا وفي مناطق الساحل الشمالي ومحافظة اللاذقية التي يحاول سكانها تنظيم صفوفهم.

المرأة وسوريا الديمقراطية

أسئلة الزملاء الحاضرين للقاء وتعليقاتهم أتاحت تسليط الضوء على نِقَاط محددة بخصوص الوضع الراهن في سوريا وآفاق المستقبل. ركزت أسئلة الأستاذة الصحفية عبير عطية على موقف تركيا ووضع المرأة في مشروع مجلس سوريا الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، مما أتاح للدكتورة ليلى الاستفاضة في شرح السياسة التركية تجاه سوريا التي ترى أنها لا تشجع على بناء دولة سورية موحدة وتركز على تفكيك مشروع مجلس سوريا الديمقراطية خوفًا من انتقال التجربة إلى الداخل التركي.

كما أوضحت أن المرأة في المجتمع الكردي لها مكانة خاصة جرى ترجمتها في بناء المجلس القائم على مشاركة المرأة في جميع القرارات والهياكل بما في ذلك القتال إلى جانب الرجل، مشيرة إلى الدور البطولي للمرأة الكردية المقاتلة في مواجهة القوات التركية ومقاتلي داعش. وأشارت إلى أن المرأة تضطلع بدور أكبر في صياغة القوانين التي تؤثر عليها ووضعها ومكانتها، وأن هذا النموذج نجح في إنهاء الاضطهاد المزدوج الذي عانت منه المرأة الكردية.

الكنيسة وسوريا الديمقراطية

الدكتور منير بشارة ركز في مداخلته على موقف الكنيسة السريانية ووضعهم في ظل الوضع الجديد. وأوضحت الدكتورة ليلى أن إضعاف السريان تم من خلال سياسة البعث التي حولتهم إلى طائفة دينية فحسب وأضعفت دورهم الاجتماعي ودفعت الكثير منهم إلى الهجرة خارج سوريا. وأشارت إلى أن مصطلح الأقليات ليس مصطلحًا دقيقًا في حالة سوريا وإنما الأدق أن نتحدث عن مكونات المجتمع السوري، فالطوائف جميعًا، بما في ذلك الطائفة العلوية، عانت في ظل حكم البعث الاستبدادي.

الكرد وسوريا الديمقراطية

وتركزت أسئلة الدكتور عزة داود، والأستاذ عزت إبراهيم، والأستاذ أحمد حنفي على فكرة الدولة الكردية المستقلة، ولماذا لم تنشأ دولة للكرد في سياق اتفاقية سايكس بيكو، والعلاقة بين كرد سوريا وكرد شمال العراق. وأتاحت هذه الأسئلة فرصة للدكتورة ليلى للحديث عن الاتفاقيات الأخرى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أوجدت الدول في المنطقة بشكلها الراهن، خصوصًا اتفاقية لوزان، موضحة الفروق بين المشكلة الكردية في تركيا، حيث يتركز غالبية الكرد، وحيث كانوا شركاء للأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال التركية وتحريرها من القوات الأجنبية التي احتلتها، ثم تراجع الأتراك عن وعودهم بتأثير من التيار القومي التركي.

وأشارت إلى أن كرد سوريا يرون مستقبلهم في بناء الوطن السوري، وأنهم في هذا يختلفون عن كرد العراق، وأن الكرد في كل دولة لهم خصوصية تختلف عن الأخرى، وبالتالي ليس بالضرورة استنساخ التجارب عن بعضها البعض، ونحن نرى بأن الحل الأمثل هو حل القضية الكردية في كل دولة مع أخذ خصوصيتها بعين الاعتبار. وأشارت إلى أن دستور العراق بعد عام 2003 كان أحد الأسباب التي دفعت الكرد إلى المطالبة بالحكم الذاتي، وأن مجلس سوريا الديمقراطية يتبنى نموذج الإدارة الذاتية في صيغة من اللامركزية، وأن قوات سوريا الديمقراطية مستعدة للمشاركة في إعادة بناء الجيش السوري.

أي قرار خارج المؤتمر الوطني السوري منقوص وعلى دمشق تدارك الخطأ

وكالة ANHA:

أكدت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، أن أي قرار خارج إطار المؤتمر الوطني السوري ودون مشاركة القوى السياسية والثورية والشعبية يُعدّ “منقوصًا وغير قانوني”، ودعت السلطات في دمشق إلى استدراك الخطأ.

أدلت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، ببيان إلى الرأي العام، بشأن عقد سلطات دمشق مؤتمرًا بحضور عدد من متزعمي “هيئة تحرير الشام”، وأخرين من مرتزقة الاحتلال التركي، من بينهم بعض المدرجين على “قوائم الإرهاب” كالمرتزق حاتم أبو شقرا، مرتكب جريمة اغتيال الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، والمرتزق المجرم “أبو عمشة”.

وجاء في بيان الإدارة كما وردتنا نسخة عنه ما يلي: “في ظل التطورات المتسارعة في سوريا، عقب سقوط نظام البعث الذي يعد انتصارًا لعموم الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته، وفي الوقت الذي كان الشعب السوري بانتظار عقد مؤتمر وطني سوري جامع لوضع والتحضير لصياغة دستور توافقي وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، عقدت السلطة في دمشق اجتماعًا موسعًا بحضور عدد من قادة الفصائل السورية، وتم من خلاله اتخاذ عدة قرارات، وفي هذا السياق نؤكد نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، أنه كان يجب أن تكون القرارات ضمن مؤتمر وطني يحضره جميع المكونات والطوائف والشرائح السورية، من ضمنهم المرأة والشباب.

إننا في الوقت الذي ننتقد عقد هكذا اجتماع وخاصة أن من بين الحضور، بعض الشخصيات المدرجة ضمن قوائم الإرهاب، وأيديهم ملطخة بدماء الشعب السوري، وعلى رأسهم أحمد إحسان فياض الهايس الملقب باسم “أبو حاتم شقرا”، والذي أقدم على قتل الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، وكذلك محمد الجاسم، المعروف بلقب “أبو عمشة”، والذي ارتكب العديد من الجرائم بحق الشعب السوري وخاصة في عفرين، نؤكد بأن هكذا اجتماع غير قانوني، ولا يعبر عما تطمح إليه المكونات في سوريا.

كما أننا نؤكد أن السياقات التي تتم خارج إطار المؤتمر الوطني السوري ودون مشاركة القوى السياسية والثورية والشعبية يعدّ “منقوصاً”، وبأن عقد مؤتمر حوار وطني في سوريا، من دون إقصاء أي من الأطراف أو المكونات السورية، هو الحل الأمثل لإنهاء حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا الآن، وإيصال شعبنا إلى بر الأمان، لأن إقصاء أي جهة أو مكوّن سيكون السبب في عدم تحقيق أهداف ثورة شعبنا، وواقعه لن يختلف عن النظام السابق، لذا ندعو السلطات في دمشق لاستدراك الخطأ القائم ومشاركة السوريين بكل فئاتهم وتوجهاتهم السياسية في مؤتمر وطني شامل يحضره الجميع ووضع ملامح دستور جديد للبلاد.

وفي ظل كل هذه التطورات، على السلطات في دمشق عدم إفساح المجال لأي جهة أو شخص يروج لخطاب الكراهية، ويحاول النيل من حالة التآخي والعيش المشترك التي هي سمة تميز الشعب السوري، ونبذ الخطابات التحريضية كافة، والتي تستهدف قومية أو طائفة معينة والتي هي واضحة بشكل جلي في بعض الفعاليات، كما حدث قبل أيام في ساحة الأمويين بالعاصمة السورية دمشق، وكذلك في مدن أخرى، فهكذا مواقف تخلق فتنة وشرخًا بين مكونات الشعب السوري، ولا تخدم الهدف الذي نسعى إليه جمعيًا ألا وهو بناء سوريا ديمقراطية موحدة، وإرساء القانون وتحقيق العدالة الانتقالية.

مرة أخرى نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، ننطلق من ثوابت وطنية بالدعوة الدائمة للحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وإشراك جميع مكونات الشعب السوري في رسم ملامح سوريا المستقبل على أسس ديمقراطية ولامركزية”.

العراق يخضع للجولة الرابعة من الاستعراض الدوري الشامل

في قاعة حقوق الإنسان وتحالف الحضارات بمقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف ، حيث تمتزج الدبلوماسية بالفن تحت سقف يجسد التعددية الثقافية والتعايش السلمي، خضع العراق لجولة رابعة من المساءلة الحقوقية أمام المجتمع الدولي. هذه القاعة، التي تزينها تحفة الفنان الإسباني ميغيل بارسيلو، لم تكن مجرد مكان لعقد الاجتماعات، بل مرآة تعكس سجل الدول الحقوقية، حيث تطُرح الأسئلة، وتوضع الالتزامات قيد الاختبار.

الاستعراض الدوري الشامل: آلية رقابة دولية

الاستعراض الدوري الشامل (UPR) هو إحدى أهم آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث تخضع كل دولة عضو لمراجعة دورية لسجلها الحقوقي كل أربع سنوات ونصف. لا استثناءات، لا محاباة، فالدول نفسها هي التي تراقب بعضها البعض، وتطرح الأسئلة، وتقدم التوصيات. تعتمد هذه الآلية على تقارير وطنية وتقارير أممية ومساهمات من المجتمع المدني، ويتم خلالها تقييم مدى تنفيذ التوصيات السابقة، وطرح توصيات جديدة لمعالجة الانتهاكات القائمة.

العراق تحت المجهر للمرة الرابعة

منذ إطلاق آلية الاستعراض الدوري الشامل في عام 2008، خضع العراق لمراجعات ثلاث سابقة، في أعوام 2010، 2014، و2019. في كل مرة، وُضعت على الطاولة قضايا حساسة مثل حماية حقوق الإنسان، حرية التعبير، استقلالية القضاء، عقوبة الإعدام، مكافحة الفساد، وحقوق المرأة والأقليات. ومع ذلك، فإن تكرار بعض التوصيات في الجولة الرابعة يشير إلى أن العديد من التعهدات السابقة لم تُترجم إلى إصلاحات ملموسة، ما جعل المجتمع الدولي أكثر إلحاحًا في مطالبه هذه المرة.

في 27 يناير 2025، اجتمع وفد عراقي كبير ضم نحو ثلاثين مسؤولًا، برئاسة معالي وزير العدل خالد سلام سعيد، ليواجه 263 توصية قُدمت من 93 دولة، بعد دمج بعض التوصيات من أصل 279 توصية أولية. كانت الأسئلة واضحة، والتوصيات أكثر تفصيلًا: ما الذي تحقق من الالتزامات السابقة؟ أين العراق من الإصلاحات التي تعهد بها سابقًا؟

اختبار جديد أمام المجتمع الدولي

لم يكن العراق مجرد متلقٍ لهذه التوصيات، بل كان مطالبًا بتقديم إجابات واضحة ومحددة حول مدى التزامه بالإصلاحات الحقوقية. وكجزء من الإجراءات، اختار مجلس حقوق الإنسان في 8 يناير 2025 مجموعة “الترويكا” -وهي الدول التي تشرف على المراجعة- وتألفت من بوروندي، تشيلي، وجزر مارشال. كما تلقى العراق أسئلة معدة مسبقًا من دول مثل بلجيكا، كندا، ألمانيا، السويد، إسبانيا، والبرتغال، بالإضافة إلى مجموعة أصدقاء الآليات الوطنية للتنفيذ والمتابعة، وهي مجموعة تركز على تنفيذ التوصيات وعدم الاكتفاء بتقديم الوعود.

مع اعتماد التقرير النهائي في 31 يناير 2025، تترقب الدول والمنظمات الحقوقية ما إذا كانت بغداد ستترجم تعهداتها إلى إصلاحات ملموسة، أم ستظل بعض التوصيات تتكرر في الجولة القادمة؟ هذه ليست مجرد مراجعة شكلية، بل اختبار حقيقي للإرادة السياسية، وفرصة لإثبات مدى جدية العراق في تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان أمام العالم.

يمكن تصنيف هذه التوصيات إلى عدة مواضيع رئيسية:

1. التصديق على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان:

  • عدد التوصيات: 16 توصية فدمتها الدول: غامبيا، تشيلي، الدنمارك، لاتفيا، سويسرا، توغو، أوكرانيا، أيسلندا، إسبانيا، كرواتيا، فرنسا، سيراليون، مالطا، إستونيا، المكسيك، البرتغال، الأوروغواي، السنغال، باراغواي، سريلانكا، قبرص، بوركينا فاسو.
  • التركيز: التصديق على البروتوكولات الاختيارية المتعلقة بمناهضة التعذيب، وإلغاء عقوبة الإعدام، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين.

2. عقوبة الإعدام:

  • عدد التوصيات: 18 توصية. قدمتها الدول: توغو، أيسلندا، إسبانيا، كرواتيا، فرنسا، مالطا، إستونيا، المكسيك، البرتغال، الأوروغواي، لاتفيا، الجبل الأسود، مالطا، كندا، ألبانيا، فنلندا، سلوفينيا، السويد، بلجيكا، أستراليا، النرويج، جمهورية الدومينيكان، قبرص، سيراليون، إيطاليا، كولومبيا، باراغواي، سويسرا، تشيلي، كوستاريكا، ليتوانيا.
  • التركيز: إلغاء عقوبة الإعدام أو فرض وقف تنفيذها كخطوة نحو الإلغاء النهائي.
  • المحاور الرئيسية :
    ‌أ) وقف تنفيذ عقوبة الإعدام:
    ‌ب) طالبت التوصيات بفرض وقف فوري لتنفيذ أحكام الإعدام، كخطوة أولى نحو الإلغاء الكامل لهذه العقوبة.
    ‌ج) تمت الدعوة إلى تقليل عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، والاقتصار على “أشد الجرائم خطورة” وفقًا للمعايير الدولية.
    ‌د) التشريعات الوطنية:
    ‌ه) طالبت التوصيات بمراجعة التشريعات الوطنية لتقليل الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وضمان أن تكون العقوبة مطابقة للمعايير الدولية، خاصة المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
    ‌و) الحوار العام:
    ‌ز) تمت الدعوة إلى تعزيز الحوار العام حول إلغاء عقوبة الإعدام، وإطلاق حملات توعية لتثقيف الرأي العام حول الآثار السلبية لهذه العقوبة.

3. حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين:

  • عدد التوصيات: 45 توصية قدمتها الدول: كولومبيا، النرويج، قطر، إيران، السودان، روسيا، البرازيل، الرأس الأخضر، أيسلندا، فنلندا، جيبوتي، أيسلندا، السويد، إيطاليا، كرواتيا، ليتوانيا، كولومبيا، المالديف، باراغواي، سلوفينيا، قبرص، إسرائيل، الدنمارك، الأوروغواي، ألمانيا، سويسرا، كندا، كوستاريكا، إستونيا، الجبل الأسود، تشيلي، قبرص، بلجيكا، البرتغال، جورجيا، لبنان، فرنسا، مالطا، المملكة المتحدة، المكسيك، أوكرانيا، بلجيكا، أيرلندا، رومانيا، بنغلاديش، سريلانكا، إندونيسيا، اليمن، موريتانيا، نيبال، أرمينيا، المغرب، كوبا، الصين، الجزائر، تونس، أذربيجان، عمان، جيبوتي، الفلبين، تركيا، تشيلي، فنلندا، إسبانيا.
  • التركيز: تُعتبر حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين القضية الأكثر تركيزًا في التوصيات، حيث تم تقديم )45 توصية) من قبل )34 دولة) هذه التوصيات تركز على إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، ورفع سن الزواج إلى 18 عامًا، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا.
  • المحاور الرئيسية:
    ‌أ) إلغاء القوانين التمييزية:
    – طالبت التوصيات بإلغاء الأحكام التمييزية في قانون الأحوال الشخصية، مثل تلك التي تسمح بزواج القاصرات أو التي تعطي حقوقًا متفاوتة بين الرجل والمرأة في الطلاق والميراث والحضانة.
    – تمت الدعوة إلى تعديل التشريعات الوطنية لضمان امتثالها لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة [CEDAW]، بما في ذلك سحب التحفظات على بعض مواد الاتفاقية.
    ب) مكافحة العنف ضد المرأة:

    – طالبت التوصيات بتجريم جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف المنزلي، والاغتصاب الزوجي، وجرائم الشرف.
    – تمت الدعوة إلى اعتماد تشريعات شاملة لمكافحة العنف ضد المرأة، وإنشاء آليات فعالة لحماية الناجيات وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن.
    ‌ج) تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا:
    – طالبت التوصيات بزيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، وضمان تمثيلها في مواقع صنع القرار.
    – تمت الدعوة إلى تعزيز البرامج التي تدعم تمكين المرأة اقتصاديًا، مثل التدريب المهني وفرص العمل، خاصة للنساء في المناطق الريفية والمهمشة.
    ‌د) السياسات والمؤسسات:
    – تمت الدعوة إلى تعزيز السياسات الوطنية التي تعزز المساواة بين الجنسين، مثل الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة والاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة.
    – طالبت التوصيات بتعزيز دور المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق المرأة، مثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وضمان توفير الموارد الكافية لها.

4. حقوق الطفل:

  • عدد التوصيات: 25 توصية قدمتها الدول: أيسلندا، السويد، إيطاليا، كرواتيا، ليتوانيا، كولومبيا، المالديف، باراغواي، سلوفينيا، قبرص، إسرائيل، الدنمارك، الأوروغواي، ألمانيا، سويسرا، كندا، كوستاريكا، إستونيا، الجبل الأسود، تشيلي، قبرص، بلجيكا، كولومبيا، البرتغال، جورجيا، لبنان، فرنسا، مالطا، المملكة المتحدة، ألمانيا، المكسيك، إيطاليا، أوكرانيا، بلجيكا، أيرلندا، رومانيا، كوستاريكا، بنغلاديش، سريلانكا، إندونيسيا، اليمن، موريتانيا، نيبال، أرمينيا، المغرب، كوبا، لبنان، الصين، الجزائر، تونس، أذربيجان، عمان، جيبوتي، جورجيا،  إيطاليا، الفلبين، تركيا، تشيلي، فنلندا، أيسلندا، إسبانيا.
  • التركيز: حماية الأطفال من العنف، وضمان حصولهم على التعليم والصحة، ومنع زواج الأطفال، وإصدار وثائق مدنية للأطفال.
  • المحاور الرئيسية:
    ‌أ) حماية الأطفال من العنف:
    – طالبت التوصيات بسن تشريعات تحمي الأطفال من جميع أشكال العنف، بما في ذلك العنف المنزلي، والاستغلال الجنسي، والتجنيد في الجماعات المسلحة.
    – تمت الدعوة إلى إنشاء آليات فعالة للإبلاغ عن انتهاكات حقوق الأطفال، وضمان محاسبة الجناة.
    ب) منع زواج الأطفال:

    – طالبت التوصيات برفع سن الزواج إلى 18 عامًا دون استثناءات، وإلغاء جميع الأحكام القانونية التي تسمح بزواج القاصرات.
    – تمت الدعوة إلى تعزيز البرامج التي تهدف إلى منع زواج الأطفال، مثل برامج التوعية وزيادة فرص التعليم للفتيات.
    ‌ج) التعليم والصحة:
    – طالبت التوصيات بضمان حصول جميع الأطفال على التعليم الأساسي المجاني، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة.
    – تمت الدعوة إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية للأطفال، بما في ذلك التطعيمات والتغذية السليمة.
    ‌د) السياسات والمؤسسات:
    – تمت الدعوة إلى اعتماد خطة وطنية لحماية حقوق الأطفال، وإنشاء مؤسسات مستقلة لرصد تنفيذ هذه الخطة.
    – طالبت التوصيات بتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، مثل اليونيسف، لتحسين وضع الأطفال في العراق.

5. حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:

  • عدد التوصيات: 10 توصيات قدمتها الدول: إسبانيا، بوركينا فاسو، قبرص، تونس، أذربيجان، عمان، جيبوتي، جورجيا، إندونيسيا، اليمن.
  • التركيز: ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم والعمل، وتوفير الخدمات الصحية لهم.

6. حرية التعبير وحرية الصحافة:

  • عدد التوصيات: 15 توصية قدمتها الدول: كندا، أوكرانيا، النرويج، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، الدنمارك، فنلندا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، سويسرا، إسبانيا، جمهورية الدومينيكان، البرتغال.
  • التركيز: ضمان حرية التعبير والصحافة، وحماية الصحفيين والنشطاء من الترهيب والاعتقال.
  • المحاور الرئيسية:
    أ) حماية الصحفيين والنشطاء:
    – طالبت التوصيات بضمان حرية التعبير للصحفيين والنشطاء، وحمايتهم من الترهيب والاعتقال التعسفي.
    – تمت الدعوة إلى إطلاق سراح جميع الصحفيين المحتجزين بسبب عملهم الصحفي.
    ‌ب) التشريعات الوطنية:
    – طالبت التوصيات بمراجعة التشريعات الوطنية، مثل قانون العقوبات، لإلغاء الأحكام التي تقيد حرية التعبير وحرية الصحافة.
    – تمت الدعوة إلى إنشاء هيئات مستقلة للتحقيق في انتهاكات حرية التعبير، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
    ج) السياسات والمؤسسات:

    – تمت الدعوة إلى تعزيز دور المؤسسات الإعلامية المستقلة، وضمان حصولها على التمويل الكافي لأداء عملها دون تدخل.
    – طالبت التوصيات بإنشاء برامج تدريبية للصحفيين حول حقوق الإنسان والمعايير الدولية لحرية التعبير.

7. مكافحة الفساد وإصلاح النظام القضائي:

  • عدد التوصيات: 10 توصيات قدمتها الدول: قطر، البرازيل، الرأس الأخضر، كوريا الجنوبية، هولندا، كابو فيردي، ألمانيا، أيرلندا، البرازيل، كاب دي فيردي.
  • التركيز: تعزيز استقلالية القضاء، ومكافحة الفساد، وضمان حقوق المحاكمة العادلة.

8. حقوق الأقليات الدينية والعرقية:

  • عدد التوصيات: 10 توصيات قدمتها الدول: الكيان الصهيوني الغاصب(اسرائيل))الكيان الصهيوني الغاصب(اسرائيل))، إيطاليا، الفلبين، تركيا، تشيلي، فنلندا، أيسلندا، إسبانيا، مالطا، المكسيك.
  • التركيز: حماية الأقليات الدينية والعرقية من العنف والتمييز، وتعزيز حرية الدين والمعتقد.
  • المحاور الرئيسية‌:
    أ) حماية الأقليات من العنف:

    – طالبت التوصيات بضمان حماية الأقليات الدينية والعرقية من جميع أشكال العنف والتمييز، بما في ذلك العنف الطائفي والاضطهاد.
    – تمت الدعوة إلى إنشاء آليات فعالة للتحقيق في جرائم العنف ضد الأقليات، وضمان محاسبة الجناة.
    ب) التشريعات الوطنية:

    – طالبت التوصيات بسن تشريعات تحمي حقوق الأقليات، وتضمن تمتعهم بحرية الدين والمعتقد.
    – تمت الدعوة إلى إلغاء جميع القوانين التي تميز ضد الأقليات، سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
    ‌ج) السياسات والمؤسسات:
    – تمت الدعوة إلى تعزيز السياسات الوطنية التي تعزز التعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع العراقي.
    – طالبت التوصيات بإنشاء مؤسسات وطنية تعنى بحماية حقوق الأقليات، وضمان تمثيلهم في مؤسسات الدولة.

9. حقوق العمال المهاجرين والنازحين:

  • عدد التوصيات: 10 توصيات.قدمتها الدول: إندونيسيا، نيبال، فرنسا، سريلانكا، كندا، سيراليون، روسيا، النرويج، نيجيريا، ألمانيا.
  • التركيز: ضمان حقوق العمال المهاجرين، وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم.

 


 

تحليل محاور التركيز في توصيات الاستعراض الدوري الشامل للعراق

بعد مراجعة جميع التوصيات المقدمة للعراق، يمكن تصنيف المحاور الرئيسية بشكل أكثر شمولًا يعكس القضايا الجوهرية التي استحوذت على اهتمام الدول الموصية. بناءً على ذلك، يمكن هيكلة التحليل إلى المحاور التالية:

1. إصلاح التشريعات والمواءمة مع المعايير الدولية

– يتعلق هذا المحور بالتوصيات التي دعت العراق إلى تعديل تشريعاته الوطنية لضمان توافقها مع التزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، لا سيما من خلال التصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية.
‌أ) التصديق على المعاهدات والبروتوكولات الدولية
* البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب (توصية من: تشيلي، الدنمارك، لاتفيا، سويسرا، توغو، أوكرانيا)
* البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لإلغاء عقوبة الإعدام )إسبانيا، كرواتيا، فرنسا، مالطا، كندا)
* نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (فرنسا، إستونيا، المكسيك)
* البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيراليون)
* اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين (أوروغواي، باراغواي، سريلانكا)
‌ب) مراجعة القوانين الوطنية لضمان التوافق مع المعايير الدولية
* إصلاح قانون الأحوال الشخصية لضمان حقوق النساء ومنع زواج الأطفال (آيسلندا، السويد، إيطاليا، كولومبيا)
* إلغاء القوانين التي تجرم العلاقات المثلية (إسبانيا، آيسلندا، مالطا، المكسيك)
* إلغاء المادة 398 من قانون العقوبات التي تعفي المغتصب إذا تزوج الضحية (الدنمارك، أوروغواي)
* إلغاء القوانين التي تتيح للعشائر التدخل في قضايا الأحوال الشخصية (البرتغال، كرواتيا)
‌ج) تعزيز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان
* ضمان استقلالية وكفاءة المفوضية العليا لحقوق الإنسان وفقًا لمبادئ باريس (جيبوتي، أرمينيا، قطر)
* توفير الدعم المالي والموارد البشرية للمفوضية (المغرب، إيران، البحرين)
* إنشاء آلية وطنية لتنفيذ ومتابعة التوصيات الدولية (باراغواي)

2. الحقوق المدنية والسياسية

‌أ) عقوبة الإعدام
أحد أبرز القضايا التي ركزت عليها التوصيات، حيث دعت العديد من الدول إلى إلغائها أو على الأقل فرض وقف لتنفيذها:
* إلغاء عقوبة الإعدام بالكامل (مالطا، كندا، كوستاريكا)
* فرض وقف رسمي لتنفيذ أحكام الإعدام كخطوة نحو الإلغاء(إسبانيا، فرنسا، السويد، بلجيكا، النرويج، الدنمارك، إيطاليا)
* تقليص الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام (باراغواي، سويسرا، تشيلي)
* تشجيع النقاش المجتمعي حول إلغاء عقوبة الإعدام(ليتوانيا، شيلي)
‌ب) حرية التعبير وحرية الصحافة
* مراجعة القوانين الجنائية لضمان حرية الصحافة والتعبير (سويسرا، الدنمارك، إستونيا)
* حماية الصحفيين والناشطين من الملاحقة والترهيب (كندا، النرويج، فنلندا، إستونيا، ليتوانيا)
* إزالة القيود على الإنترنت وحرية النشر الإلكتروني (إستونيا، لاتفيا)
‌ج) حرية التجمع والتظاهر
* حماية حق المواطنين في التظاهر السلمي ومحاسبة المسؤولين عن العنف ضد المتظاهرين (المملكة المتحدة، كندا، الدنمارك)
* ضمان عدم استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين (البرتغال، الدنمارك، الولايات المتحدة)

3. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

‌أ) مكافحة الفقر وتعزيز الحماية الاجتماعية
* زيادة برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفًا (الصين، كوبا، إيران، الكويت)
* تعزيز الخدمات العامة مثل الصحة، التعليم، والإسكان(ماليزيا، باكستان، الكويت)
‌ب) تحسين الخدمات الصحية
* ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية الشاملة )السعودية، فيتنام، بنغلاديش)
* تحسين الخدمات الصحية للأمهات والأطفال )الهند، تونس، سريلانكا)
‌ج) الحق في التعليم
* زيادة الاستثمار في التعليم وتعزيز فرص الفتيات )المغرب، السعودية، الأردن)
* مكافحة التسرب المدرسي وتوفير تعليم مجاني للفئات الهشة )الإمارات، أوزبكستان)

4. العدالة والمساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب

أ‌. مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
– ضمان استقلالية القضاء ومكافحة الفساد في المؤسسات العامة )كوريا الجنوبية، البرازيل، أيرلندا)
– ضمان حق المتهمين في محاكمات عادلة وشفافة )هولندا، الرأس الأخضر)
ب‌. مكافحة التعذيب والاختفاء القسري
– تحقيق شامل في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة في السجون (ألبانيا، تشيلي، كرواتيا)
– تعزيز التحقيقات في قضايا الاختفاء القسري (المكسيك، كرواتيا، تشيلي)

5. حقوق الفئات الهشة والمهمشة

‌أ) حقوق المرأة
– إلغاء التمييز القانوني ضد النساء في قوانين الأحوال الشخصية (إيطاليا، السويد، ليتوانيا)
– إصدار قانون شامل لمكافحة العنف الأسري (إستونيا، الجبل الأسود، شيلي، قبرص)
‌ب) حقوق الطفل
– إلغاء زواج الأطفال ورفع سن الزواج إلى 18 عامًا (إيطاليا، السويد، سلوفينيا)
– إقرار قانون لحماية الطفل بما يتوافق مع المعايير الدولية (إستونيا، أوكرانيا، بلجيكا)
ج‌) حقوق الأقليات
– ضمان حماية الأقليات الدينية والإثنية )إيطاليا، الفلبين، الكيان الصهيوني الغاصب(اسرائيل))
– تنفيذ قانون الناجيات الإيزيديات بشكل شامل وعادل )إيطاليا)
د‌) حقوق مجتمع الميم )LGBTIQ+)
– إلغاء تجريم العلاقات المثلية وضمان الحماية من التمييز )إسبانيا، آيسلندا، مالطا، المكسيك)
– حماية أفراد مجتمع الميم من العنف والملاحقة القانونية (فنلندا، تشيلي)
ه‌) حقوق النازحين واللاجئين
– ضمان العودة الطوعية والآمنة للنازحين (فرنسا، ألمانيا، النرويج)
– توفير الخدمات الأساسية للمخيمات (روسيا، كندا، النرويج)

ختامًا: بين الالتزامات والتطبيق.. العراق أمام اختبار التنفيذ الحقيقي

لم يكن الاستعراض الدوري الشامل للعراق مجرد جلسة دبلوماسية عابرة، بل كان محطة جديدة في مسيرة المساءلة الدولية، حيث تعكس 263 توصية تم تقديمها حجم التحديات والتوقعات التي يواجهها العراق في مجال حقوق الإنسان. لم يكن الحضور الدولي الواسع وتكرار العديد من التوصيات إلا إشارة واضحة إلى أن الإصلاحات المطلوبة لا تزال تنتظر التنفيذ الحقيقي، وأن المجتمع الدولي يراقب مدى التزام العراق بتحويل التعهدات إلى واقع ملموس.

ما بين الوعود والواقع: التحدي الأبرز

يعكس تحليل التوصيات المقدمة للعراق وجود تركيز دولي قوي على عدة محاور جوهرية:

  • تحسين التشريعات بما يضمن توافقها مع المعايير الدولية، وخاصة في قضايا مثل عقوبة الإعدام، حقوق المرأة، وحرية التعبير.
  • حماية الحريات المدنية وضمان بيئة آمنة للصحفيين والناشطين، بعيدًا عن التهديدات والملاحقات.
  • تعزيز العدالة والمساءلة من خلال مكافحة الفساد وضمان استقلال القضاء ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.
  • تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما للفئات الأكثر ضعفًا مثل النازحين، الأقليات، والنساء.
الاستعراض الدوري.. آلية مستمرة وليست محطة نهائية

الاستعراض الدوري الشامل ليس نهاية المطاف، بل هو بداية جديدة لمتابعة التنفيذ، حيث ستخضع الحكومة العراقية لمراقبة مدى التقدم في تنفيذ التوصيات التي قبلتها. مع اعتماد التقرير النهائي في 31 يناير 2025، ستكون الأشهر والسنوات القادمة حاسمة في تحديد مدى جدية العراق في التفاعل مع ملاحظات المجتمع الدولي.

السؤال الأهم الآن: هل ستبقى هذه التوصيات مجرد كلمات مدونة في تقارير أم ستُترجم إلى سياسات وتشريعات وإصلاحات حقيقية يشعر بها المواطن العراقي؟ الجواب لا يكمن في قاعات الأمم المتحدة وحدها، بل في الإرادة السياسية والإصلاحات الفعلية التي ستشهدها المرحلة المقبلة. المجتمع الدولي يترقب، والعراقيون أنفسهم يراقبون عن كثب، لأن حقوق الإنسان ليست رفاهية، بل هي أساس أي دولة تسعى للاستقرار والتنمية الحقيقية.

زيارة إلى البرلمان النرويجي

قمنا يوم الخميس ١٩-١٢-٢٠٢٤ بزيارة إلى البرلمان النرويجي بعد تلقي دعوة رسمية من حزب اليسار الاشتراكي النرويجي، مع السيد “أندرياس شالغ أونيلاند”، عضو اللجنة القانونية، وعضو مجموعة الصداقة الكردية في البرلمان النرويجي.

كما التقينا بالسيد رزكار هوريني، عضو الهيئة الإدارية لحزب اليسار الاشتراكي النرويجي في أوسلو، وعضو المجموعة البرلمانية للصداقة الکوردية في البرلمان النرويجي.

حضر في الوفد المشارك ممثلین عن کلٍ من: منظمة العدالة والسلام العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ووفد من الجالیة الکوردیة في النرويج، والجمعية الثقافية الكردية – نرجس في مدینة درامن في المملكة النرويجیة.

وكان من بين ممثلينا السادة المحترمين كلٍ من:

السيد شورش جلال باواجي – رئيس جمعية نرجس الثقافية الكردية في مدینة درامن، ورئيس الجالیة الكردية في النرويج.
السیدة معصومة سعید محمد – ممثلة المنظـمة،
الأستاذ محسن محمد عبد الله، بصفة الأمین العام لمنظمة العدالة والسلام العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي،

 

 

وقاموا بزيارة للبرلمان النرويجي بعد تلقیهم دعوة رسمية من البرلمان النرویجي، واستقبلهم السيد أندرياس شالج أونيلاند، عضو البرلمان عن حزب اليسار الاشتراكي النرويجي، مبديًا ترحيبًا حارًا.

وتضمنت الزيارة العدید من القضايا المهمة المتعلقة بحقوق الإنسان وحمایة الأقليات والشعوب المضطهدة من قبل السلطات القمعية وملیشیاتهم المسلحة في الشرق الأوسط وبالأخص في غرب کوردستان ما یسمی بشمال شرق سوریا. ومن أهم القضايا التي دارت خلال النقاش مسألة حماية غرب كردستان في سوریا (روژأڤا)، والتهديدات التي يتعرض لها غرب كردستان وحماية المدنيين في المنطقة من هجمات العصابات المسلحة التابعة لجبهة النصرة، القاعدة، تحرير الشام وملیشیات آخرى تنتمي إلى الدولة التركية الفاشية وعصاباتهم الإجرامية. أيضا مع العديد من الاقتراحات الهامة الأخرى.

وفي ذات الموضوع، قدم الأستاذ محسن محمد عبدالله – رئيس منظمة حقوق الإنسان مقترحًا رسميًا بثلاث لغات (الكردية والعربية والنرويجية) إلى البرلمان النرويجي.

 

 

من أهم النقاط المهمة في الاقتراحات، کانت ضمان منطقة أمنة للمدنیین بإصدار قرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتأمين منطقة حظر الطيران في “روژآڤا” غرب کوردستان- شمال شرق سوریا منطقة No Fly Zone.

خلال الزيارة، رحب السيد أندرياس شالغ أونيلاند بالمندوبين ترحيبًا حارًا، وأعرب عن تقديره لزيارتهم. وفي نهاية اللقاء قدم الوفد لسیادتە باقة من الزهور وكتاب شكر وتقدير.

مقتل صحفيتين في غارة تركية استهدفت سيارتهما في إقليم كردستان العراق

أفادت وكالة “أسوشيتد برس” نقلا عن مسؤولين محليين ووسائل إعلام يوم الجمعة بمقتل الصحفيتين: هيرو بهاء الدين وغولستان تارا، في غارة جوية تركية استهدفت سيارتهما في إقليم كردستان العراق. وندد قباد الطالباني، نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، بالغارة. وقال في بيان “كانتا صحفيتين لا عضوتين في قوة مسلحة ليمثلا تهديدًا للأمن والاستقرار في أي دولة أو منطقة”.

منظمة العدالة والسلام العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، تستنكر وتدين الجرائم الوحشية التركية ضد المدنيين الأبرياء وقتل الصحفيين في إقليم كردستان – العراق.

وفقًا للقانون واللوائح الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية لاهاي 1899-1907، اتفاقية جنيف لقوانين الحرب، اتفاقية الأمم المتحدة لحماية الصحفيين) يجب أن يتمتع الصحفيون بحرية العمل كصحفيين، استهداف الصحفيين بالطائرات بدون طيار تعتبر جريمة دولية واضحة. ولو لم تكن الجريمة قد ارتكبت في إقليم كردستان، لكان العالم قد تحدث الآن، لأن المستهدفين هم صحفيون ومدنيون ونساء، ويحميهم القانون ولهم الحصانة الدولية.

منظمتنا تطالب المجتمع الدولي بإدانة تركيا لأفعالهم البشعة وجرائمهم ضد البشرية وسياساتهم الهمجية، كما نطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة السلطات التركية ومعاقبة المجرمين وضمان عدم تكرار تلك الجرائم مستقبلًا.

ألف رحمة الله على أرواح الشهداء الأبرار.
الموت للفاشية والموت لأعداء البشرية.
العار للإرهابيين ومجرمي الحرب.

محسن محمد عبد اللە
الأمين العام
لمنظمة العدالة والسلام العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي